الأورام
الخبيثة التي تظهر في مرحلة الشيخوخة تثير المخاوف لدى الرجال. أما سرطان
الخصية فيعتبر من المشاكل المخيفة بين المراهقين والشباب.وتتمثل إحدى فوائد
الشيخوخة التي لا تحظى بالتقدير في أن التقدم في العمر يقلل من الإصابة
بسرطان الخصية إلا نادرا، ولكن، بعد أن يجتاز الرجال هذا الخطر فإنهم
يواجهون خطر الإصابة بسرطان البروستاتا.
ومع تدفق المعلومات حول هذين المرضين اللذين يقعان في المراتب الأولى للمخاطر فإن الرجال ينسون أخطار الإصابة بسرطان المثانة. وفي الواقع فإن نحو 53 ألف أميركي سوف يشخصون هذا العام فقط بهذا السرطان، وسوف يتوفى 10 آلاف منهم بسببه.
ويحتل سرطان المثانة المرتبة الرابعة بين سرطانات الأعضاء الداخلية لدى الرجال الأميركيين، وهو أيضا واحد من السرطانات العشرة القاتلة الأولى، ويكلف وحده 3 مليارات دولار سنويا.
إلا أن هناك أنباء جيدة أيضا حول هذا السرطان؛ إذ إن الرصد المبكر له يمكن أن يؤدي إلى وقفه، كما أن تطور العلاج يحسن من النتائج للمصابين بمراحل متقدمة منه، إضافة إلى ذلك فإن الأنباء الجيدة تشمل أيضا وجود إمكانية لاتخاذ خطوات بسيطة يمكنها خفض أخطار الإصابة بسرطان المثانة.
* من يتعرض للإصابة؟
من يصاب بسرطان المثانة؟ الرجال بالدرجة الرئيسية. فالمرض ينتشر 3 مرات تقريبا بين الرجال أكثر من النساء. ويزداد الخطر لدى الرجال من العرق القوقازي؛ إذ يزيد بمرتين على المنحدرين من العرق الأفريقي، كما أن العمر يعتبر عامل خطر رئيسيا آخر؛ إذ لا يشيع حدوث المرض قبل عمر 60 سنة، إلا أنه ينتشر مع تقدم العمر.
* الأسباب
* تحدث كل أنواع السرطان بسبب تآلف عدد من العوامل الجينية والبيئية. وفي حالات سرطان المثانة، فإن العلماء قد شرعوا يكتشفون جينات تزيد من أخطار الإصابة به. وتحتوي قائمة الجينات حتى الآن على جينات مسببة للسرطان تحفز على تحول الخلايا إلى خلايا خبيثة («تي بي 63» TP63 و«إي جي إف آر» EGFR، هما من الأمثلة على الجينات المرتبطة بسرطان المثانة)، وكذلك جينات مثبطة للأورام يمكن أن تتشوه وتفقد قدرتها على تنفيذ دورها لمحاربة نمو الخلايا السرطانية («تي بي 53» TP53 و«آر بي 1» RB1 هما من الأمثلة على تلك المرتبطة بسرطان المثانة). ويثق الباحثون أنهم سيكتشفون عوامل جينية أكثر إلا أنهم لا يهملون الدور الحاسم للعوامل البيئية.
ويعتبر تدخين السجائر، الذي يتسبب في حدوث نصف حالات سرطان المثانة تقريبا، أكثر العوامل المهمة المسببة لهذا المرض. ويمتص الجسم الكثير من السموم مع شهقات الدخان. وتذهب تلك السموم إلى مجرى الدم ثم تلفظها الكليتان مع البول. ولأن البول يظل متجمعا لساعات في المثانة قبل طرحه خارج الجسم فإن بطانة المثانة تصبح عرضة للاحتكاك لفترة طويلة مع المواد المسببة للسرطان.
لهذا فإن مدخني السجائر يتعرضون أكثر بمرتين لخطر الإصابة بسرطان المثانة مقارنة بعدم المدخنين، كما أن المدخنين الشرهين يكونون أكثر عرضة له مقارنة بالمدخنين قليلا، إلا أن الخطر يضمحل تدريجيا لدى الأشخاص الذين يتوقفون عن التدخين، حتى إن كانوا من المدخنين لسنوات طويلة.
كما يمكن للسموم الصناعية المختلفة إلحاق الأضرار بالخلايا التي تبطن المثانة، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. وفي السابق كان العمال في صناعات المطاط، الأصباغ، المواد الكهربائية، والأنسجة، معرضين لأخطار كبيرة. إلا أن ضوابط السلامة في مواقع العمل الحالية فد حسنت الأوضاع كثيرا.
وفي بعض مناطق العالم، مثل دلتا النيل في مصر، فإن العدوى بالطفيليات تشكل أكثر أسباب حالات الإصابة بسرطان المثانة. وتشمل الأسباب الأخرى غير الشائعة نسبيا العلاج طويل الأمد بدواء «سيكلوفوسفاميد» cyclophosphamide («سيتوكسان» Cytoxan) والإفراط في استخدام مسكنات الألم «فيناسيتين» phenacetin، كما يبدو أن العلاج الإشعاعي لسرطان البروستاتا يزيد من خطر الإصابة بسرطان المثانة لاحقا.
وعلى الرغم من أن الجرعات الكبيرة جدا من مواد التحلية (المحليات) الصناعية قد تسبب سرطان المثانة لدى الحيوانات، فإنه لا توجد دلائل على ذلك لدى البشر. أما عوامل التغذية الأخرى فقد تلعب دورها أيضا.
ويتسبب دخان التبغ والسموم الأخرى في حدوث سرطان المثانة وذلك بإلحاق الضرر بالحمض النووي «دي إن إيه» وبتغييرها لبنية ووظيفة الجينات. وقد تم رصد تشوهات جينية في عدد من الكروموسومات في خلايا المثانة الخبيثة، ويعمل العلماء حاليا على توظيف هذه المعلومات لتطوير وسائل جديدة للتشخيص.
* الأعراض
* أكثر أعراض سرطان المثانة شيوعا هو خروج الدم مع البول (البول الدموي) hematuria الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة، كما أن من الأعراض الأخرى التي يمكن تشخيصها: البول الدموي المجهري microscopic hematuria، وهو وجود خلايا دم حمراء في البول بأعداد قليلة لا يمكن رصدها بالعين، لكن يمكن كشفها عند تحليل عينة البول في المختبر.
وفي كلتا الحالتين فإن النزف يمكن أن يكون مستمرا أو متقطعا. وعلى الرغم من أن النزف المرئي يثير المخاوف دوما فإن كمية الدم لا يمكنها التنبؤ بشدة المرض. كما أنه على الرغم من أنه يجب التعامل مع النزف في المسالك البولية على أنه احتمال للإصابة بسرطان المثانة، فإنه قد يشير إلى مشاكل صحية أخرى. وفي الحقيقة فإن حصوات الكلى وحدوث عدوى في البروستاتا، المثانة، الكلية، هي الأسباب الأكثر شيوعا لظهور الدم في البول، ثم وبدرجة أقل في الأغلب، المشاكل الأخرى مثل سرطان الكلية، سرطان البروستاتا، التعرض لصدمة، فقر الدم المنجلي، وغيرها.
وعلى الرغم من أن سرطان المثانة غير مؤلم في العادة فإن هذا المرض قد يسبب الحرقة أثناء التبول، الحاجة الملحة في التبول، أو تكرار التبول. ويجب دوما فحص الرجال الذين تظهر لديهم هذه الأعراض، للتحقق من وجود سرطان المثانة. أما في الحالات غير الشائعة للمرض فقد يظهر أول الأعراض على شكل آلام في البطن، الظهر، أو العظام، أو فقدان الوزن.
* التشخيص
* هناك عنصران للتأكد من تشخيص سرطان المثانة، الأول هو استبعاد الأسباب الشائعة لحدوث البول الدموي، والثاني: رصد الورم نفسه في المثانة.
وتعتمد المهمة الأولى على الحصول على نتائج بعد زرع البول بهدف استبعاد وجود عدوى في المثانة أو الكلية، ثم القيام بفحص يدوي للمستقيم الذي يجرى عادة مع اختبار لفحص مولد المضادات الخاص بالبروستاتا prostate - specific antigen (PSA) للتأكد من وجود تضخم حميد في البروستاتا أو سرطان فيها.
أما اختبارات التصوير فقد تكون مقيدة لاستبعاد الأمراض الأخرى وتقييم حالة المثانة نفسها. وعلى الرغم من أن التصوير بالموجات فوق الصوتية قد يظل مفيدا فإن التصوير التقليدي بأشعة إكس - التي حلت محلها الآن عمليات المسح بالتصوير الطبقي المقطعي - يرصد حصوات الكلية، سرطان الكلية، بل وحتى سرطانات المثانة الكبيرة، خصوصا إن كانت ممتدة خارجها.
وفي أغلب الأحوال فإن تشخيص سرطان المثانة يعتمد على الفحص بمنظار المثانة cystoscopy. وهذا الفحص مسألة «مكتبية» عادة، يوظف فيها منظار هو عبارة عن أنبوبة من الألياف البصرية المرنة يدخلها الطبيب بعد إجراء تخدير موضعي عبر الحالب نحو المثانة. ويمكن للطبيب رؤية المثانة وتصويرها، كما يمكنه إدخال أدوات صغيرة عبر المنظار لاستخلاص خزعة من جدار المثانة. وهذه هي أهم الخطوات جميعها.
ويمثل الفحص بمنظار المثانة المعيار الذهبي لتشخيص سرطان المثانة، إلا أنه يعتبر وسيلة تدخلية؛ لذا يعكف الباحثون على تطوير اختبارات لتشخيص سرطان المثانة بفحص عينات البول. وأقدم الاختبارات من هذا القبيل هو اختبار الخلايا السرطانية في البول urine cytology الذي يهدف إلى تقييم الخلايا في البول بتوظيف طريقة مشابهة لفحوصات «باب» Pap tests النسائية. ولكن لسوء الحظ، فإنه إن كانت اختبارات «باب» تعتبر وسيلة ممتازة لتشخيص سرطان عنق الرحم فإن اختبارات الخلايا السرطانية في البول هي أقل دقة في تشخيص سرطان المثانة.
وتعتمد أحدث الاختبارات الجديدة على رصد علامات الأورام - الجينات المشوهة أو نواتجها البروتينية - في البول. ويتوافر عدد من الاختبارات، ومنها اختباران لمولد المضادات لأورام المثانة، واختبار بروتين المصفوفة النووية 22 nuclear matrix protein 22 (NMP)، وعدد آخر من اختبارات التلوين بمواد مضيئة.
ومثلها مثل اختبار الخلايا السرطانية في البول، فإن هذه الوسائل سوف ترصد على الأكثر الأورام السرطانية الأكبر حجما، المتقدمة، وليس الأورام الصغيرة في أولى مراحل ظهور السرطان المبكرة. وفي الوقت الحالي فإنها تبدو مفيدة في المساعدة على متابعة المرضى الذين تم تشخيصهم فعلا بسرطان المثانة، أكثر من فائدتها في التحقق من التشخيصات الأولية.
وتصبح متابعة المرض مهمة لأن سرطانات المثانة غالبا ما تظهر في مواقع مختلفة، كما أن أورامها تعاود الظهور من جديد. ويجري أغلب أطباء المسالك البولية اختبارات الفحص بمنظار المثانة كل 3 أشهر للسنتين الأوليين بعد العلاج الناجح لسرطان المثانة، ثم كل 6 أشهر لمدة سنتين، ثم كل سنة بعد ذلك حتى النهاية.
وهذه استراتيجية فعالة. ولكن مع تنامي ثقة الأطباء في رصد علامات الأورام في البول، فإن بإمكانهم التعويض عن الفحص بالمنظار باختبارات أخرى. وفي الأحوال كلها فإن المصابين بسرطان المثانة، الذي يؤدي بدوره أيضا إلى زيادة مخاطر إصابة الجزء العلوي من المسالك البولية بالأورام، عليهم الخضوع لفحوصات التصوير مثل التصوير المقطعي الطبقي كل سنة أو كل سنتين.
* مراحل السرطان
* من أعلى الجهاز البولي إلى أسفله - من النظم التي تجمع البول في الكليتين، وحتى أعالي الثلثين من الحالب في موقع خروج البول من الجسم - يكون هذا الجهاز مبطنا بأنسجة خاصة تسمى الأنسجة الظهارية الانتقالية uroepithelium. وتنشأ أغلب سرطانات المثانة في الولايات المتحدة وغالبية الدول الصناعية من خلايا هذه الأنسجة الغشائية الخفيفة. ولا يزيد سمك هذه الأنسجة الظهارية الانتقالية على سمك عدة خلايا؛ لذا فإن السرطانات التي يتم تشخيصها عندما تكون منحصرة في السطح الخارجي للأنسجة تستجيب بشكل جيد للعلاج البسيط، إلا أن السرطانات التي تدخل في عمق الأنسجة تسبب مشاكل في العلاج. ولحسن الحظ فإن 70% من سرطانات المثانة تكتشف عندما تكون على السطح.
وتحت الأنسجة الظهارية epithelium يوجد غشاء يسمى الصفيحة المخاطية lamina propria ثم توجد تحتها شريحة العضلات التي تؤمن عمليات انقباض المثانة لتفريغها. وتقسم عضلات المثانة نفسها إلى منطقتين: سطحية وعميقة. وتسمى المنطقة القريبة منها perivesicular tissues، التي تأتي بعدها البروستاتا، العقد اللمفاوية، والعظام.
وإن ظهر أن سرطان المثانة قد تغلغل إلى خارج طبقة الأنسجة الظهرية السطحية، فإن الأطباء سيجرون اختبارات أخرى لرصد مدى انتشاره. ويستخدم لهذا الهدف التصوير المقطعي الطبقي لمنطقة الحوض، والبطن، والصدر. كما تمكن الاستعانة بجهاز الرنين المغناطيسيMRI للتصوير، بينما تجري توجهات لتوظيف جهاز الانبعاث البوزيتروني PET أيضا.
كما يمكن لتصوير العظام رصد الأورام المنتشرة نحو الهيكل العظمي. وينبغي على كل مريض الخضوع إلى فحص بسيط لتعداد مكونات الدم، واختبارات لوظائف الكلى والكبد.
ويوظف الأطباء نتائج هذه الاختبارات في منظومة لتقييم مرحلة سرطان المثانة تسمى TNM (الورم tumor، العقدة node، انتشار السرطان metastasis). ويعتبر تحديد المرحلة مهما جدا لأنه يحدد نوع العلاج ومستقبل الشفاء منه.
* العلاج
* يعتمد علاج سرطان المثانة على مرحلة المرض، وعلى مدى خطورة الخلايا السرطانية ومدى عدوانيتها. وتشخص غالبية الحالات مبكرا، قبل أن تغزو الأورام عضلات المثانة (مراحل: الورم Ta، الأورام الشبيهة به Tis، والورم T1). ويعتبر الاستئصال الجراحي لكل الأورام الظاهرة العلاج الرئيسي لأنواع السرطانات السطحية هذه. ويمكن إتمام هذه العملية بوسيلة «تقطيع الأورام في المثانة عبر الحالب» transurethral resection of the bladder tumor (TURBT)، وهي الطريقة التي تسمح لطبيب المسالك البولية بالعمل على تطهير داخل المثانة بواسطة المنظار. وفي بعض الأحيان يحقن الطبيب دواء مثل «ميتوميسين سي» mitomycin C للعلاج الكيميائي، فور الانتهاء من عملية الاستئصال.
وإن كان سرطان المثانة السطحي يتصف بخصائص تفترض احتمال تكرر ظهوره لاحقا، فإن من الواجب تقديم علاج إضافي. ومن المهم جدا تقديم علاج قوي ومتابعة دقيقة للأورام السرطانية المتموضعة (مرحلة Tis المسماة «الأورام المسطحة flat tumors») التي يمكنها الظهور مجددا ثم الانتشار.
وغالبا ما تشمل المعالجة توظيف العلاج المناعي. وهنا تحقن بكتيريا «عصيات كالميت - غيران» Bacillus Calmette - Guerin (BCG) التي طورت قبل 80 سنة كلقاح للتطعيم ضد مرض السل، نحو المثانة، بهدف تعزيز قدرات الخلايا المناعية الذاتية للجسم لمقاومة الأورام. والبديل الآخر هو العلاج الكيميائي داخل المثانة؛ حيث يحقن محلول من الماء يحتوي على عقار كيميائي مثل «ميتوميسين سي». وفي كلتا الحالتين فإن البرنامج القياسي للعلاج يشمل العلاج لمدة 6 إلى 8 أسابيع، من تتبعه فترة متقطعة من علاج «الإدامة» أو المتابعة لمدة سنتين.
ويمكن أن يبدأ العلاج الكيميائي فور الانتهاء من عملية «تقطيع الأورام في المثانة عبر الحالب»، إلا أن العلاج ببكتيريا BCG يجب تأخيره لمدة أسبوعين على الأقل للسماح بشفاء مواقع الجراحة في المثانة. ويمكن لكلا العلاجين أن يؤدي إلى ازدياد تكرار الحاجة للتبول، والحرقة، التي يصاحبها نزيف أحيانا.
وفي بعض الأحيان يمكن لبكتيريا BCG أن تتسرب نحو أعضاء الجسم الأخرى، الأمر الذي يتطلب إعطاء المريض مضادات حيوية. ويحبذ الكثير من أطباء المسالك البولية الأميركيين العلاج المناعي ببكتيريا BCG، كما يمثل إنترفيرون ألفا interferon alpha بديلا للعلاج المناعي.
وتتطلب سرطانات المثانة السطحية التي لا تستجيب للعلاج معالجة أقوى. وينطبق الأمر كذلك على الأورام الغازية التي تغلغلت نحو عضلات جدران المثانة (مرحلتا الأورام T2 وT3). ويكون العلاج القياسي لهذه الأورام هو عملية الاستئصال الجذري للمثانة radical cystectomy التي تشمل إزالة المثانة كلها، إضافة إلى العقد الليمفاوية. وتشمل أيضا لدى الرجال إزالة البروستاتا والحويصلات المنوية؛ لذلك فإن الرجال يصابون بالضعف الجنسي قطعا. وقد يستفيد بعض المرضى من العلاج الكيميائي.
حتى الآن كان المرضى الذين خضعوا لعملية الاستئصال الجذري للمثانة يستخدمون أنبوبا مصنوعا من المعى لجمع البول في كيس من البلاستيك يوضع على جدار البطن. وعلى الرغم من أن غالبية المرضى يتكيفون مع هذا الوضع، فإن تقنيات الجراحة الحديثة أخذت تحسن هذا الحال، بتوظيف جزء من الأمعاء الدقيقة المستخلصة من المريض، لتصميم كيس خاص يمكن تفريغه ذاتيا بشكل دوري عبر أنبوب خاص.
كما يمكن للجراحين الحاذقين توظيف أنسجة الأمعاء الدقيقة لتصميم مثانة صناعية بديلة لبعض المرضى، الأمر الذي يتيح لهم التبول بشكل عادي.
مع هذا، فإنه ربما يمكن لبعض الأشخاص الذين لا يرغبون، أو لا يستطيعون، الخضوع لعملية الاستئصال الجذري للمثانة، التوصل إلى نتائج جيدة بعد شمولهم بتوليفة علاجية تشمل جراحة محدودة لاستئصال الأورام يعقبها علاج بالإشعاع الذي يتم في الغالب مع العلاج الكيميائي. ويعتبر وجود مركز طبي متخصص عاملا مهما في نجاح العلاج. ويمكن للعلاج الكيميائي والإشعاعي المساعدة في التحكم في سرطان المثانة المنتشر. وعلى الرغم من ندرة شفاء هذا السرطان المنتشر فإن العلاج يمكنه إطالة فرصة نجاة المريض.
* الوقاية الوقاية هي أهم أنواع العلاج قاطبة، وكما هو حال التقدم في مجالات علاج سرطان المثانة، فإن هناك تقدما في هذا المجال، كما يبدو.
* الخطوة الأولى: بالطبع هي التوقف عن التدخين، وذلك ما سيقلل أيضا من خطر التعرض للنوبة القلبية، وسرطان الرئة، والكثير من الأمراض.. إلا أن فوائد الامتناع عن التدخين في حالة سرطان المثانة لا تظهر إلا ببطء؛ لأنها تحتاج لسنوات كثيرة؛ لذا فيجب على المدخنين السابقين أن يكونوا متيقظين للأمر.
* الخطوة الثانية: مراجعة تاريخ العمل الخاص بك ومدى تعرضك لمواد كيميائية مسببة للسرطان، وأخطرها البنزين وأمثاله. وبما أن سرطان المثانة يتطور ببطء على مدى 25 سنة من التعرض لمسبباته، فإن اليقظة مهمة.
* الخطوة الثالثة: تحسين التغذية. وعلى الرغم من اختلاف الدراسات هنا، فإن دراسات من جامعة كاليفورنيا ومعهد روزويل بارك للسرطان وجامعة هارفارد، تتفق جميعها على أن تناول الفواكه والخضراوات يقلل من خطر الإصابة بسرطان المثانة، بينما تزيد الأغذية الغنية بالدهون منه. وقد أشارت دراسة هارفارد بشكل محدد إلى أن البروكلي والكرنب مفيدان للوقاية، بينما أجمع باحثو معهد روزويل بارك على أن الخضراوات الكبريتية مفيدة، إلا أنهم أكدوا أهمية الخضراوات النيئة.
وأشارت دراسة من واشنطن إلى فائدة الفواكه على وجه الخصوص، وأضرار الأطعمة المقلية، خصوصا لأنها تزيد خطر الإصابة 2.2 مرة. وأشارت دراسة نُشرت عام 2010 أيضا ضمنا إلى أن اللحوم الحمراء والمعالجة صناعيا تعتبر عوامل خطر.
* الخطوة الوقائية الأخيرة هي: تناول الكثير من السوائل. وقد يبدو أمرا حدسيا تلقائيا أن تناول كميات أكثر من السوائل يخفف من تركيز السموم في البول ويزيد من عدد مرات تفريغ المثانة، الأمر الذي يحميها من المواد المسببة للسرطان.
غير أن هذا الحدس التلقائي يثير الالتباس.
وقد أفادت دراستان بنتائج متفاوتة، فقد أشار باحثون فرنسيون إلى انعدام الفائدة من تناول الكثير من السوائل، إلا أن باحثين إسبانيين أفادوا بالقدرات الوقائية للقهوة.
ومع هذا فقد كانت نتائج دراسة أميركية أكثر تفاؤلا، فقد أظهرت دراسة عام 1999 من جامعة هارفارد حول 47 ألفا و909 من المهنيين الصحيين من الرجال، أن تخفيف التركيز ربما يكون الحل لمشكلة الإصابة بسرطان المثانة. فقد كان كل الرجال المشمولين بالدراسة سليمين من سرطان المثانة منذ بدايتها عام 1986. وبعد مرور 10 سنوات تابع الباحثون تناول المشاركين 22 نوعا مختلفا من المشروبات، كما تابعوا حالات الإصابة بسرطان المثانة. وبعد تحليل النتائج ظهر أن نسبة الإصابة بسرطان المثانة تقل بنسبة 49% لدى الرجال الذين تناولوا السوائل أكثر من غيرهم (نحو 2.5 كوارت يوميا) مقارنة بالرجال الذين تناولوا كميات أقل (أقل من 1.25 كوارت في المتوسط) - الكوارت يساوي 0.946 لتر تقريبا.
وعلى الرغم من أن الماء كان مفيدا بشكل خاص، فإن كل أنواع المشروبات أسهمت في الوقاية، ومن ضمنها المشروبات الحاوية للكافيين، التي اعتبرت من عوامل الخطر في دراسات سابقة. وبالإجمال ظهر أن الرجال يمكنهم تقليل خطر تعرضهم لسرطان المثانة بنسبة 7% عند تناولهم لـ8 أونصات (الأونصة تبلغ 29 ملل تقريبا) إضافية من السوائل يوميا. وهذا يعني أن المثانة مثلها، مثل أي عضو من أعضاء الجسم، تزداد صحة كلما ازداد استعمالها!
* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل» - خدمات «تريبيون ميديا» الزواج.. وفرص النجاة من سرطان المثانة من المعلوم أن الزواج جيد لصحة الرجال؛ فالوقاية من أمراض القلب هي سبب واحد على الأقل لعيش المتزوجين عمرا أطول من العازبين أو المطلقين. ووفقا لدراسات نشرت بين عامي 2005 و2009 فإن الزواج يحسن أيضا من فرص النجاة من سرطان المثانة. ولا يبدو أن الفائدة الظاهرية تعتمد على تحسن العناية الطبية بالمصابين أو على خفض عوامل الخطر؛ لذا فقد تكهن الباحثون أن الدعم النفسي ربما قد عزز جهاز المناعة لديهم. وعلى الرغم من ذلك فإن الأمر يتطلب المزيد من الأبحاث.
* نمط الحياة وسرطان الكلية
* التدخين، النظام الغذائي، وتناول السوائل.. كلها عوامل يمكنها التأثير على خطر تعرض الرجال لسرطان المثانة. ولكن هل يؤثر نمط الحياة أيضا على خطر الإصابة بسرطان الكلية؟
ربما، فقد أفادت دراسة حول 363 ألفا و992 رجلا من السويد بوجود صلة قوية بين السمنة وسرطان الكلية، وظهر أن البدينين كانوا أكثر تعرضا بمرتين، لظهور هذا المرض مقارنة بالرشيقين.
كما ربطت الدراسة أيضا بين ارتفاع ضغط الدم وذلك الخطر. ومن المهم القول إن علاج ضغط الدم المرتفع أدى إلى خفض الخطر كما يبدو.
ووجدت دراسة مراجعة من جامعة هارفارد لـ13 دراسة شملت 775 ألف شخص أن تناول الفواكه والخضراوات يرتبط بانخفاض خطر سرطان الكلية. وحسب المعتاد فإن التدخين هو عامل الخطر الكبير؛ لأنه مسؤول عن 20 إلى 30% من الحالات. كما أن عدم ممارسة الرياضة هو عامل آخر.
وعلى الرغم من أن سرطان الكلية أقل شيوعا من سرطان المثانة فإنه أكثر خطورة. وهو شائع، مثل سرطان المثانة، أكثر بين الرجال. ويزداد عدد الأدلة الدامغة التي تشير إلى أن تغيير نمط الحياة يقلل من حدوث الإصابات بهذين السرطانين.
ومع تدفق المعلومات حول هذين المرضين اللذين يقعان في المراتب الأولى للمخاطر فإن الرجال ينسون أخطار الإصابة بسرطان المثانة. وفي الواقع فإن نحو 53 ألف أميركي سوف يشخصون هذا العام فقط بهذا السرطان، وسوف يتوفى 10 آلاف منهم بسببه.
ويحتل سرطان المثانة المرتبة الرابعة بين سرطانات الأعضاء الداخلية لدى الرجال الأميركيين، وهو أيضا واحد من السرطانات العشرة القاتلة الأولى، ويكلف وحده 3 مليارات دولار سنويا.
إلا أن هناك أنباء جيدة أيضا حول هذا السرطان؛ إذ إن الرصد المبكر له يمكن أن يؤدي إلى وقفه، كما أن تطور العلاج يحسن من النتائج للمصابين بمراحل متقدمة منه، إضافة إلى ذلك فإن الأنباء الجيدة تشمل أيضا وجود إمكانية لاتخاذ خطوات بسيطة يمكنها خفض أخطار الإصابة بسرطان المثانة.
* من يتعرض للإصابة؟
من يصاب بسرطان المثانة؟ الرجال بالدرجة الرئيسية. فالمرض ينتشر 3 مرات تقريبا بين الرجال أكثر من النساء. ويزداد الخطر لدى الرجال من العرق القوقازي؛ إذ يزيد بمرتين على المنحدرين من العرق الأفريقي، كما أن العمر يعتبر عامل خطر رئيسيا آخر؛ إذ لا يشيع حدوث المرض قبل عمر 60 سنة، إلا أنه ينتشر مع تقدم العمر.
* الأسباب
* تحدث كل أنواع السرطان بسبب تآلف عدد من العوامل الجينية والبيئية. وفي حالات سرطان المثانة، فإن العلماء قد شرعوا يكتشفون جينات تزيد من أخطار الإصابة به. وتحتوي قائمة الجينات حتى الآن على جينات مسببة للسرطان تحفز على تحول الخلايا إلى خلايا خبيثة («تي بي 63» TP63 و«إي جي إف آر» EGFR، هما من الأمثلة على الجينات المرتبطة بسرطان المثانة)، وكذلك جينات مثبطة للأورام يمكن أن تتشوه وتفقد قدرتها على تنفيذ دورها لمحاربة نمو الخلايا السرطانية («تي بي 53» TP53 و«آر بي 1» RB1 هما من الأمثلة على تلك المرتبطة بسرطان المثانة). ويثق الباحثون أنهم سيكتشفون عوامل جينية أكثر إلا أنهم لا يهملون الدور الحاسم للعوامل البيئية.
ويعتبر تدخين السجائر، الذي يتسبب في حدوث نصف حالات سرطان المثانة تقريبا، أكثر العوامل المهمة المسببة لهذا المرض. ويمتص الجسم الكثير من السموم مع شهقات الدخان. وتذهب تلك السموم إلى مجرى الدم ثم تلفظها الكليتان مع البول. ولأن البول يظل متجمعا لساعات في المثانة قبل طرحه خارج الجسم فإن بطانة المثانة تصبح عرضة للاحتكاك لفترة طويلة مع المواد المسببة للسرطان.
لهذا فإن مدخني السجائر يتعرضون أكثر بمرتين لخطر الإصابة بسرطان المثانة مقارنة بعدم المدخنين، كما أن المدخنين الشرهين يكونون أكثر عرضة له مقارنة بالمدخنين قليلا، إلا أن الخطر يضمحل تدريجيا لدى الأشخاص الذين يتوقفون عن التدخين، حتى إن كانوا من المدخنين لسنوات طويلة.
كما يمكن للسموم الصناعية المختلفة إلحاق الأضرار بالخلايا التي تبطن المثانة، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. وفي السابق كان العمال في صناعات المطاط، الأصباغ، المواد الكهربائية، والأنسجة، معرضين لأخطار كبيرة. إلا أن ضوابط السلامة في مواقع العمل الحالية فد حسنت الأوضاع كثيرا.
وفي بعض مناطق العالم، مثل دلتا النيل في مصر، فإن العدوى بالطفيليات تشكل أكثر أسباب حالات الإصابة بسرطان المثانة. وتشمل الأسباب الأخرى غير الشائعة نسبيا العلاج طويل الأمد بدواء «سيكلوفوسفاميد» cyclophosphamide («سيتوكسان» Cytoxan) والإفراط في استخدام مسكنات الألم «فيناسيتين» phenacetin، كما يبدو أن العلاج الإشعاعي لسرطان البروستاتا يزيد من خطر الإصابة بسرطان المثانة لاحقا.
وعلى الرغم من أن الجرعات الكبيرة جدا من مواد التحلية (المحليات) الصناعية قد تسبب سرطان المثانة لدى الحيوانات، فإنه لا توجد دلائل على ذلك لدى البشر. أما عوامل التغذية الأخرى فقد تلعب دورها أيضا.
ويتسبب دخان التبغ والسموم الأخرى في حدوث سرطان المثانة وذلك بإلحاق الضرر بالحمض النووي «دي إن إيه» وبتغييرها لبنية ووظيفة الجينات. وقد تم رصد تشوهات جينية في عدد من الكروموسومات في خلايا المثانة الخبيثة، ويعمل العلماء حاليا على توظيف هذه المعلومات لتطوير وسائل جديدة للتشخيص.
* الأعراض
* أكثر أعراض سرطان المثانة شيوعا هو خروج الدم مع البول (البول الدموي) hematuria الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة، كما أن من الأعراض الأخرى التي يمكن تشخيصها: البول الدموي المجهري microscopic hematuria، وهو وجود خلايا دم حمراء في البول بأعداد قليلة لا يمكن رصدها بالعين، لكن يمكن كشفها عند تحليل عينة البول في المختبر.
وفي كلتا الحالتين فإن النزف يمكن أن يكون مستمرا أو متقطعا. وعلى الرغم من أن النزف المرئي يثير المخاوف دوما فإن كمية الدم لا يمكنها التنبؤ بشدة المرض. كما أنه على الرغم من أنه يجب التعامل مع النزف في المسالك البولية على أنه احتمال للإصابة بسرطان المثانة، فإنه قد يشير إلى مشاكل صحية أخرى. وفي الحقيقة فإن حصوات الكلى وحدوث عدوى في البروستاتا، المثانة، الكلية، هي الأسباب الأكثر شيوعا لظهور الدم في البول، ثم وبدرجة أقل في الأغلب، المشاكل الأخرى مثل سرطان الكلية، سرطان البروستاتا، التعرض لصدمة، فقر الدم المنجلي، وغيرها.
وعلى الرغم من أن سرطان المثانة غير مؤلم في العادة فإن هذا المرض قد يسبب الحرقة أثناء التبول، الحاجة الملحة في التبول، أو تكرار التبول. ويجب دوما فحص الرجال الذين تظهر لديهم هذه الأعراض، للتحقق من وجود سرطان المثانة. أما في الحالات غير الشائعة للمرض فقد يظهر أول الأعراض على شكل آلام في البطن، الظهر، أو العظام، أو فقدان الوزن.
* التشخيص
* هناك عنصران للتأكد من تشخيص سرطان المثانة، الأول هو استبعاد الأسباب الشائعة لحدوث البول الدموي، والثاني: رصد الورم نفسه في المثانة.
وتعتمد المهمة الأولى على الحصول على نتائج بعد زرع البول بهدف استبعاد وجود عدوى في المثانة أو الكلية، ثم القيام بفحص يدوي للمستقيم الذي يجرى عادة مع اختبار لفحص مولد المضادات الخاص بالبروستاتا prostate - specific antigen (PSA) للتأكد من وجود تضخم حميد في البروستاتا أو سرطان فيها.
أما اختبارات التصوير فقد تكون مقيدة لاستبعاد الأمراض الأخرى وتقييم حالة المثانة نفسها. وعلى الرغم من أن التصوير بالموجات فوق الصوتية قد يظل مفيدا فإن التصوير التقليدي بأشعة إكس - التي حلت محلها الآن عمليات المسح بالتصوير الطبقي المقطعي - يرصد حصوات الكلية، سرطان الكلية، بل وحتى سرطانات المثانة الكبيرة، خصوصا إن كانت ممتدة خارجها.
وفي أغلب الأحوال فإن تشخيص سرطان المثانة يعتمد على الفحص بمنظار المثانة cystoscopy. وهذا الفحص مسألة «مكتبية» عادة، يوظف فيها منظار هو عبارة عن أنبوبة من الألياف البصرية المرنة يدخلها الطبيب بعد إجراء تخدير موضعي عبر الحالب نحو المثانة. ويمكن للطبيب رؤية المثانة وتصويرها، كما يمكنه إدخال أدوات صغيرة عبر المنظار لاستخلاص خزعة من جدار المثانة. وهذه هي أهم الخطوات جميعها.
ويمثل الفحص بمنظار المثانة المعيار الذهبي لتشخيص سرطان المثانة، إلا أنه يعتبر وسيلة تدخلية؛ لذا يعكف الباحثون على تطوير اختبارات لتشخيص سرطان المثانة بفحص عينات البول. وأقدم الاختبارات من هذا القبيل هو اختبار الخلايا السرطانية في البول urine cytology الذي يهدف إلى تقييم الخلايا في البول بتوظيف طريقة مشابهة لفحوصات «باب» Pap tests النسائية. ولكن لسوء الحظ، فإنه إن كانت اختبارات «باب» تعتبر وسيلة ممتازة لتشخيص سرطان عنق الرحم فإن اختبارات الخلايا السرطانية في البول هي أقل دقة في تشخيص سرطان المثانة.
وتعتمد أحدث الاختبارات الجديدة على رصد علامات الأورام - الجينات المشوهة أو نواتجها البروتينية - في البول. ويتوافر عدد من الاختبارات، ومنها اختباران لمولد المضادات لأورام المثانة، واختبار بروتين المصفوفة النووية 22 nuclear matrix protein 22 (NMP)، وعدد آخر من اختبارات التلوين بمواد مضيئة.
ومثلها مثل اختبار الخلايا السرطانية في البول، فإن هذه الوسائل سوف ترصد على الأكثر الأورام السرطانية الأكبر حجما، المتقدمة، وليس الأورام الصغيرة في أولى مراحل ظهور السرطان المبكرة. وفي الوقت الحالي فإنها تبدو مفيدة في المساعدة على متابعة المرضى الذين تم تشخيصهم فعلا بسرطان المثانة، أكثر من فائدتها في التحقق من التشخيصات الأولية.
وتصبح متابعة المرض مهمة لأن سرطانات المثانة غالبا ما تظهر في مواقع مختلفة، كما أن أورامها تعاود الظهور من جديد. ويجري أغلب أطباء المسالك البولية اختبارات الفحص بمنظار المثانة كل 3 أشهر للسنتين الأوليين بعد العلاج الناجح لسرطان المثانة، ثم كل 6 أشهر لمدة سنتين، ثم كل سنة بعد ذلك حتى النهاية.
وهذه استراتيجية فعالة. ولكن مع تنامي ثقة الأطباء في رصد علامات الأورام في البول، فإن بإمكانهم التعويض عن الفحص بالمنظار باختبارات أخرى. وفي الأحوال كلها فإن المصابين بسرطان المثانة، الذي يؤدي بدوره أيضا إلى زيادة مخاطر إصابة الجزء العلوي من المسالك البولية بالأورام، عليهم الخضوع لفحوصات التصوير مثل التصوير المقطعي الطبقي كل سنة أو كل سنتين.
* مراحل السرطان
* من أعلى الجهاز البولي إلى أسفله - من النظم التي تجمع البول في الكليتين، وحتى أعالي الثلثين من الحالب في موقع خروج البول من الجسم - يكون هذا الجهاز مبطنا بأنسجة خاصة تسمى الأنسجة الظهارية الانتقالية uroepithelium. وتنشأ أغلب سرطانات المثانة في الولايات المتحدة وغالبية الدول الصناعية من خلايا هذه الأنسجة الغشائية الخفيفة. ولا يزيد سمك هذه الأنسجة الظهارية الانتقالية على سمك عدة خلايا؛ لذا فإن السرطانات التي يتم تشخيصها عندما تكون منحصرة في السطح الخارجي للأنسجة تستجيب بشكل جيد للعلاج البسيط، إلا أن السرطانات التي تدخل في عمق الأنسجة تسبب مشاكل في العلاج. ولحسن الحظ فإن 70% من سرطانات المثانة تكتشف عندما تكون على السطح.
وتحت الأنسجة الظهارية epithelium يوجد غشاء يسمى الصفيحة المخاطية lamina propria ثم توجد تحتها شريحة العضلات التي تؤمن عمليات انقباض المثانة لتفريغها. وتقسم عضلات المثانة نفسها إلى منطقتين: سطحية وعميقة. وتسمى المنطقة القريبة منها perivesicular tissues، التي تأتي بعدها البروستاتا، العقد اللمفاوية، والعظام.
وإن ظهر أن سرطان المثانة قد تغلغل إلى خارج طبقة الأنسجة الظهرية السطحية، فإن الأطباء سيجرون اختبارات أخرى لرصد مدى انتشاره. ويستخدم لهذا الهدف التصوير المقطعي الطبقي لمنطقة الحوض، والبطن، والصدر. كما تمكن الاستعانة بجهاز الرنين المغناطيسيMRI للتصوير، بينما تجري توجهات لتوظيف جهاز الانبعاث البوزيتروني PET أيضا.
كما يمكن لتصوير العظام رصد الأورام المنتشرة نحو الهيكل العظمي. وينبغي على كل مريض الخضوع إلى فحص بسيط لتعداد مكونات الدم، واختبارات لوظائف الكلى والكبد.
ويوظف الأطباء نتائج هذه الاختبارات في منظومة لتقييم مرحلة سرطان المثانة تسمى TNM (الورم tumor، العقدة node، انتشار السرطان metastasis). ويعتبر تحديد المرحلة مهما جدا لأنه يحدد نوع العلاج ومستقبل الشفاء منه.
* العلاج
* يعتمد علاج سرطان المثانة على مرحلة المرض، وعلى مدى خطورة الخلايا السرطانية ومدى عدوانيتها. وتشخص غالبية الحالات مبكرا، قبل أن تغزو الأورام عضلات المثانة (مراحل: الورم Ta، الأورام الشبيهة به Tis، والورم T1). ويعتبر الاستئصال الجراحي لكل الأورام الظاهرة العلاج الرئيسي لأنواع السرطانات السطحية هذه. ويمكن إتمام هذه العملية بوسيلة «تقطيع الأورام في المثانة عبر الحالب» transurethral resection of the bladder tumor (TURBT)، وهي الطريقة التي تسمح لطبيب المسالك البولية بالعمل على تطهير داخل المثانة بواسطة المنظار. وفي بعض الأحيان يحقن الطبيب دواء مثل «ميتوميسين سي» mitomycin C للعلاج الكيميائي، فور الانتهاء من عملية الاستئصال.
وإن كان سرطان المثانة السطحي يتصف بخصائص تفترض احتمال تكرر ظهوره لاحقا، فإن من الواجب تقديم علاج إضافي. ومن المهم جدا تقديم علاج قوي ومتابعة دقيقة للأورام السرطانية المتموضعة (مرحلة Tis المسماة «الأورام المسطحة flat tumors») التي يمكنها الظهور مجددا ثم الانتشار.
وغالبا ما تشمل المعالجة توظيف العلاج المناعي. وهنا تحقن بكتيريا «عصيات كالميت - غيران» Bacillus Calmette - Guerin (BCG) التي طورت قبل 80 سنة كلقاح للتطعيم ضد مرض السل، نحو المثانة، بهدف تعزيز قدرات الخلايا المناعية الذاتية للجسم لمقاومة الأورام. والبديل الآخر هو العلاج الكيميائي داخل المثانة؛ حيث يحقن محلول من الماء يحتوي على عقار كيميائي مثل «ميتوميسين سي». وفي كلتا الحالتين فإن البرنامج القياسي للعلاج يشمل العلاج لمدة 6 إلى 8 أسابيع، من تتبعه فترة متقطعة من علاج «الإدامة» أو المتابعة لمدة سنتين.
ويمكن أن يبدأ العلاج الكيميائي فور الانتهاء من عملية «تقطيع الأورام في المثانة عبر الحالب»، إلا أن العلاج ببكتيريا BCG يجب تأخيره لمدة أسبوعين على الأقل للسماح بشفاء مواقع الجراحة في المثانة. ويمكن لكلا العلاجين أن يؤدي إلى ازدياد تكرار الحاجة للتبول، والحرقة، التي يصاحبها نزيف أحيانا.
وفي بعض الأحيان يمكن لبكتيريا BCG أن تتسرب نحو أعضاء الجسم الأخرى، الأمر الذي يتطلب إعطاء المريض مضادات حيوية. ويحبذ الكثير من أطباء المسالك البولية الأميركيين العلاج المناعي ببكتيريا BCG، كما يمثل إنترفيرون ألفا interferon alpha بديلا للعلاج المناعي.
وتتطلب سرطانات المثانة السطحية التي لا تستجيب للعلاج معالجة أقوى. وينطبق الأمر كذلك على الأورام الغازية التي تغلغلت نحو عضلات جدران المثانة (مرحلتا الأورام T2 وT3). ويكون العلاج القياسي لهذه الأورام هو عملية الاستئصال الجذري للمثانة radical cystectomy التي تشمل إزالة المثانة كلها، إضافة إلى العقد الليمفاوية. وتشمل أيضا لدى الرجال إزالة البروستاتا والحويصلات المنوية؛ لذلك فإن الرجال يصابون بالضعف الجنسي قطعا. وقد يستفيد بعض المرضى من العلاج الكيميائي.
حتى الآن كان المرضى الذين خضعوا لعملية الاستئصال الجذري للمثانة يستخدمون أنبوبا مصنوعا من المعى لجمع البول في كيس من البلاستيك يوضع على جدار البطن. وعلى الرغم من أن غالبية المرضى يتكيفون مع هذا الوضع، فإن تقنيات الجراحة الحديثة أخذت تحسن هذا الحال، بتوظيف جزء من الأمعاء الدقيقة المستخلصة من المريض، لتصميم كيس خاص يمكن تفريغه ذاتيا بشكل دوري عبر أنبوب خاص.
كما يمكن للجراحين الحاذقين توظيف أنسجة الأمعاء الدقيقة لتصميم مثانة صناعية بديلة لبعض المرضى، الأمر الذي يتيح لهم التبول بشكل عادي.
مع هذا، فإنه ربما يمكن لبعض الأشخاص الذين لا يرغبون، أو لا يستطيعون، الخضوع لعملية الاستئصال الجذري للمثانة، التوصل إلى نتائج جيدة بعد شمولهم بتوليفة علاجية تشمل جراحة محدودة لاستئصال الأورام يعقبها علاج بالإشعاع الذي يتم في الغالب مع العلاج الكيميائي. ويعتبر وجود مركز طبي متخصص عاملا مهما في نجاح العلاج. ويمكن للعلاج الكيميائي والإشعاعي المساعدة في التحكم في سرطان المثانة المنتشر. وعلى الرغم من ندرة شفاء هذا السرطان المنتشر فإن العلاج يمكنه إطالة فرصة نجاة المريض.
* الوقاية الوقاية هي أهم أنواع العلاج قاطبة، وكما هو حال التقدم في مجالات علاج سرطان المثانة، فإن هناك تقدما في هذا المجال، كما يبدو.
* الخطوة الأولى: بالطبع هي التوقف عن التدخين، وذلك ما سيقلل أيضا من خطر التعرض للنوبة القلبية، وسرطان الرئة، والكثير من الأمراض.. إلا أن فوائد الامتناع عن التدخين في حالة سرطان المثانة لا تظهر إلا ببطء؛ لأنها تحتاج لسنوات كثيرة؛ لذا فيجب على المدخنين السابقين أن يكونوا متيقظين للأمر.
* الخطوة الثانية: مراجعة تاريخ العمل الخاص بك ومدى تعرضك لمواد كيميائية مسببة للسرطان، وأخطرها البنزين وأمثاله. وبما أن سرطان المثانة يتطور ببطء على مدى 25 سنة من التعرض لمسبباته، فإن اليقظة مهمة.
* الخطوة الثالثة: تحسين التغذية. وعلى الرغم من اختلاف الدراسات هنا، فإن دراسات من جامعة كاليفورنيا ومعهد روزويل بارك للسرطان وجامعة هارفارد، تتفق جميعها على أن تناول الفواكه والخضراوات يقلل من خطر الإصابة بسرطان المثانة، بينما تزيد الأغذية الغنية بالدهون منه. وقد أشارت دراسة هارفارد بشكل محدد إلى أن البروكلي والكرنب مفيدان للوقاية، بينما أجمع باحثو معهد روزويل بارك على أن الخضراوات الكبريتية مفيدة، إلا أنهم أكدوا أهمية الخضراوات النيئة.
وأشارت دراسة من واشنطن إلى فائدة الفواكه على وجه الخصوص، وأضرار الأطعمة المقلية، خصوصا لأنها تزيد خطر الإصابة 2.2 مرة. وأشارت دراسة نُشرت عام 2010 أيضا ضمنا إلى أن اللحوم الحمراء والمعالجة صناعيا تعتبر عوامل خطر.
* الخطوة الوقائية الأخيرة هي: تناول الكثير من السوائل. وقد يبدو أمرا حدسيا تلقائيا أن تناول كميات أكثر من السوائل يخفف من تركيز السموم في البول ويزيد من عدد مرات تفريغ المثانة، الأمر الذي يحميها من المواد المسببة للسرطان.
غير أن هذا الحدس التلقائي يثير الالتباس.
وقد أفادت دراستان بنتائج متفاوتة، فقد أشار باحثون فرنسيون إلى انعدام الفائدة من تناول الكثير من السوائل، إلا أن باحثين إسبانيين أفادوا بالقدرات الوقائية للقهوة.
ومع هذا فقد كانت نتائج دراسة أميركية أكثر تفاؤلا، فقد أظهرت دراسة عام 1999 من جامعة هارفارد حول 47 ألفا و909 من المهنيين الصحيين من الرجال، أن تخفيف التركيز ربما يكون الحل لمشكلة الإصابة بسرطان المثانة. فقد كان كل الرجال المشمولين بالدراسة سليمين من سرطان المثانة منذ بدايتها عام 1986. وبعد مرور 10 سنوات تابع الباحثون تناول المشاركين 22 نوعا مختلفا من المشروبات، كما تابعوا حالات الإصابة بسرطان المثانة. وبعد تحليل النتائج ظهر أن نسبة الإصابة بسرطان المثانة تقل بنسبة 49% لدى الرجال الذين تناولوا السوائل أكثر من غيرهم (نحو 2.5 كوارت يوميا) مقارنة بالرجال الذين تناولوا كميات أقل (أقل من 1.25 كوارت في المتوسط) - الكوارت يساوي 0.946 لتر تقريبا.
وعلى الرغم من أن الماء كان مفيدا بشكل خاص، فإن كل أنواع المشروبات أسهمت في الوقاية، ومن ضمنها المشروبات الحاوية للكافيين، التي اعتبرت من عوامل الخطر في دراسات سابقة. وبالإجمال ظهر أن الرجال يمكنهم تقليل خطر تعرضهم لسرطان المثانة بنسبة 7% عند تناولهم لـ8 أونصات (الأونصة تبلغ 29 ملل تقريبا) إضافية من السوائل يوميا. وهذا يعني أن المثانة مثلها، مثل أي عضو من أعضاء الجسم، تزداد صحة كلما ازداد استعمالها!
* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل» - خدمات «تريبيون ميديا» الزواج.. وفرص النجاة من سرطان المثانة من المعلوم أن الزواج جيد لصحة الرجال؛ فالوقاية من أمراض القلب هي سبب واحد على الأقل لعيش المتزوجين عمرا أطول من العازبين أو المطلقين. ووفقا لدراسات نشرت بين عامي 2005 و2009 فإن الزواج يحسن أيضا من فرص النجاة من سرطان المثانة. ولا يبدو أن الفائدة الظاهرية تعتمد على تحسن العناية الطبية بالمصابين أو على خفض عوامل الخطر؛ لذا فقد تكهن الباحثون أن الدعم النفسي ربما قد عزز جهاز المناعة لديهم. وعلى الرغم من ذلك فإن الأمر يتطلب المزيد من الأبحاث.
* نمط الحياة وسرطان الكلية
* التدخين، النظام الغذائي، وتناول السوائل.. كلها عوامل يمكنها التأثير على خطر تعرض الرجال لسرطان المثانة. ولكن هل يؤثر نمط الحياة أيضا على خطر الإصابة بسرطان الكلية؟
ربما، فقد أفادت دراسة حول 363 ألفا و992 رجلا من السويد بوجود صلة قوية بين السمنة وسرطان الكلية، وظهر أن البدينين كانوا أكثر تعرضا بمرتين، لظهور هذا المرض مقارنة بالرشيقين.
كما ربطت الدراسة أيضا بين ارتفاع ضغط الدم وذلك الخطر. ومن المهم القول إن علاج ضغط الدم المرتفع أدى إلى خفض الخطر كما يبدو.
ووجدت دراسة مراجعة من جامعة هارفارد لـ13 دراسة شملت 775 ألف شخص أن تناول الفواكه والخضراوات يرتبط بانخفاض خطر سرطان الكلية. وحسب المعتاد فإن التدخين هو عامل الخطر الكبير؛ لأنه مسؤول عن 20 إلى 30% من الحالات. كما أن عدم ممارسة الرياضة هو عامل آخر.
وعلى الرغم من أن سرطان الكلية أقل شيوعا من سرطان المثانة فإنه أكثر خطورة. وهو شائع، مثل سرطان المثانة، أكثر بين الرجال. ويزداد عدد الأدلة الدامغة التي تشير إلى أن تغيير نمط الحياة يقلل من حدوث الإصابات بهذين السرطانين.